هل باتت شبكة الجزيرة تدعم صراحة مشروع تنظيم الإخوان المسلمين العالمي؟
في الكلمة الارتجالية التي ألقاها السيّد وضاح خنفر، المدير العام لشبكة الجزيرة، في اليوم الافتتاحي لمنتدى الشباب والتغيير في العالم العربي الذي انطفأ حطبه للتو بالدوحة، أعلن -السيّد خنفر- انحياز شبكته التام لمشروع –ورموز- الإسلام السياسي، مبرراً ذلك، الى رغبة الشبكة في احترام “العقل الجمعي” للمُشاهدين !
السيّد خنفر، الذي كان يتحدث بزهوٍ ذاتي شديد، وقع في سلسلة من التناقضات الجوهرية، خلال خطاب “حالة الجزيرة” الذي لم يكن يحرص كثيراً فيه على تلحيف سياساته بأي عباءات تمويهية.
فهو تارة يقول ان شبكة الجزيرة لم تصنع الثورات العربية بل نقلتها كناقل اعلامي مُحايد، ثم يعود ويُناقض ذاته حين يؤكد أن الجزيرة “انحازت لصف الجماهير”. (ولست أُحاكم الجزيرة على مواقفها أو أجندتها الاعلامية أو حتى أقيّم أداءها المهني، بل أحمل على مديرها العام تناقضيّته). ثم انه بعد أن يستقر على أن الجزيرة منبر اعلامي مُحايد ينقل الأحداث ولا يصنعها أو يرغب في صُنعها، يعود ويبرر خطط شبكته التوسعية في انشاء قنوات للجزيرة ناطقة بالتركية، والبوسنوية (قيد الانجاز)، ومن ثم قناة للجزيرة في نيروبي ناطقة بالسواحليّة، الى “المسؤولية المُلحّة لملأ فراغات الفضاء الاسلامي الجغرافي بمحتوى يصدر من المركزية العربية”. هو للحظة يريد موضَعَة الشبكة الاعلامية في موضع الحياد، ثم يستخدم مُبررات وجدانية وروحية لتبرير الخطط التوسعية. يرفع رايات الحياد الصحافي، ثم يستهدف المساحات المفتوحة بسلاح الأيديولوجيا الناعمة! (مرة أخرى، لست أحاكم خطط الجزيرة التوسعية، ولا أضيق بمنطق المبررات التي تدفعهم الى ذلك، ولكني أنتقد استسهال التناقض في خطاب المدير العام لشبكة الجزيرة).
ثالثة أثافي تناقضات خطاب السيّد خنفر كان بعد اعلانه أنهم في الجزيرة لا يرضخون لدراسات التقييم الجماهيري التسويقية المتعارف عليها في اختيارات خطط وملامح الدورات البرامجية، كونهم مدفوعين برسالة ومشروع أكثر سمواً من الرضوخ لسلطة التسويق ومعايير الجدوى التجارية.. غير انه أحبط شجاعة التحرر من القيود التجارية والرأسمالية حين اعترف -في تناقض- برضوخ سياسته التحريرية لسطوة أيديولوجية، أو ما أسماه: بـ”العقل الجمعي” !
كان خنفر يسأل الحضور في خطابه -الذي بُث أيضاً على الهواء مباشرة في (الجزيرة مباشر)- ، بما معناه : “يا ترى لو كان صعود الجزيرة مُتزامناً مع مرحلة الخمسينات والسيتينات فهل كانت ستنحاز للقوميين أم الاسلاميين؟” .. قبل أن يجيب بالنيابة عن الحضور الواعد .. “لو كُنا بالخمسينات لانحزنا لمزاج الحركة الوطنية في وقتها (أي القوميون)، ومن هذا المنطلق نحن ننحاز اليوم للإسلاميين” !
ودع عنك الافتراضات المُسبقة والمتحاملة التي تنطوي عليها مقولات الاستعراض العددي من أكثرية جمعية أو أغلبية حتميّة تميل -بداهةً- لمشروع الاسلام-السياسي، اذ تكفّل ميدان التحرير في 27 مايو -الجمعة التي انسحبت منها قوى الاخوان- بدحضها وإثبات خلافها بكشفه عن كتلة وطنية مُستقلة صاعدة، بأحجام عددية هائلة، مُتحررة من إسارات الأيديولوجيات التقليدية وغير آبهة بمنطقها الضيّق.
ثم ان شبكة الجزيرة بآلتها الاعلامية المتغوّلة، وأذرعتها البحثية والاستراتيجية، حين تعمل -بكلل- على تمكين شباب الاسلام-السياسي حصراً، فهي لن تضيف إلا رصيداً جديداً لتحويل فرضية “العقل الجمعي” -الذي تستحوذ عليه حركات الاسلام السياسي كما في عبارة خنفر- الى حقيقة نافذة !
لقد كان لافتاً قصر الدعوة لمنتدى الشباب والتغيير في العالم العربي، على شباب وفتيات ينتمون الى التيارات الاسلامية بشكل كاسح وصل –أسفاً- الى حد الفجّاجة !
خذ مثلاً الدعوات التي وُجهت الى قيادات الشباب المصري.
وُجهت الدعوات لأربعة من ائتلاف شباب الثورة في مصر؛ كلهم، وياللسخرية اللاذعة، من مُمثلي جماعة الاخوان المسلمين بالائتلاف!
كان هناك إسلام لُطفي، ومحمد عثمان .. فيما اعتذر عن الحضور -في آخر لحظة- كل من محمد القصاص، وطارق عبدالجواد! .. أربعة يتم دعوتهم من ائتلاف شباب الثورة المصرية، ينتمون الى ذات المكوّن السياسي، فيما يتم تجاهل مُمثلي باقي المكوّنات بالائتلاف؛ حيث لم تجري دعوة أي عضو يُمثل شباب حركة 6 أبريل، أو حملة البرادعي، أو حزب الغد، أو شباب حملة معاً سنغيّر، أو حتى أيٍ من المستقلين!
الغريب أنني حين طلبت استيضاحاً من أحد مسؤولي مركز الجزيرة للدراسات (الجهة المنظمة)، برّر -بكل دماثة- التواجد المركزي لمُمثلي الاخوان بعاملي الوقت والاستعجال، فيما أخبرني آخر بأن أسماء مستقلة مثل وائل غنيم، وغيره من القيادات المدنيّة في ثورة الياسمين بتونس كان من المفترض حضورها. الطريف أن وائل غنيم، أنكر في حديث لاحق معي درايته باقامة هذا المنتدى من أساسه!
لست أضيق بالاخوان أو ممثلي الاسلام-السياسي.. بل اني مع حقهم الكامل بالتمثيل والحضور وبالمشاركة العادلة في العمليات السياسية في بلدانهم طالما رضخوا لشروطها المتفق عليها وعلى رأسها مبدأ التداول السلمي للسلطة.
ولست ضد ممثلي جماعة الاخوان في ائتلاف شباب الثورة بمصر بالذات، بل ان من التقيتهم بالمنتدى، وعلى رأسهم إسلام لطفي، ومحمد عثمان، كانوا يتقدون جمالاً وذكاءً، ويبعثون على التفاؤل والإشراق؛ كانوا بحق ينتمون الى ذلك الورد الذي فتّح في جناين مصر!
لكني – قبل كل ذلك – أحدب على قيمة التنوع لتكون راسخة وأصيلة في المشهد السياسي اللاحق للربيع العربي، وبعدم خيانة واقع ذلك التنوع في الحراك الذي أنتج تلك الثورات.
من هنا أسأل: لماذا خانت شبكة الجزيرة -في منتداها- قضية التوازن بين المكّونات والقوى السياسية ؟ ولماذا لم تحتضن الجزيرة (كل) أنواع وألوان الورد الذي فتّح في جناين الربيع العربي ؟
سؤال برسم السيّد وضاح خنفر ونظريته -العجيبة- الى تمكين قوى “العقل الجمعي” !
لكن الجزيرة اعطت الشهادة على الثورة لشاب من شباب وكان للامر رمزيته
اما عن نظرية السيد وضاح خنفر المكيافيلية في ” العقل الجمعي ” فهي بالنسبة لي ولقراءتي الخاصة كعربي ومسلم قد تكون كارثية لاعتقادي ان ذاك ” العقل الجمعي ” يحتاج الى توجيه وضبط لانه منفلت عن الواقع و بالتاكيد اخر ما سيحتاج اليه هو ” احترامه ” الا ان قلنا ان ” العقل الجمعي” الافريقي جنوب الصحراء يستحق احترامه وتنميته
اقصد اعطت الشهادة على الثورة لشاب من شباب حركة 6 أبريل
الجزيرة لها أجندة نعم .. و هي في أسوأ ظروفها أحسن بملايين المرات من العبرية.
لا جدال في الجزئية الثانية. ويظل النقد مشروع.