يخرج ميدان الدراجة العريق عن الفضاء البصري لمدينة جدة هذا الأسبوع.. قلّة منا تعرف اي شئ يذكر عن مُصممه الاسباني خوليو لافونتي ونحن بالكاد نحيط بملابسات انشاء ميادين عملاقة في جدة!
حين التقى المهندس محمد سعيد فارسي بالمعماري لافونتي باسبانيا كانا لا يقفان على لغة إثنية مشتركة (لافونتي لا يجيد سوى الاسبانية) – لكنهما انهمكا في حديث مطوّل كان الوسيط فيه لغة الفن المشتركة حول الشكل، والمضمون، والحجم، والمساحة ومعاني الفراغ. (رواية محمد سعيد فارسي من كتاب جدة مدينة الفنون صفحة 39).
جاء لافونتي الى جدة في مطلع السبعينات الميلادية كمهندس معماري، لكن محمد سعيد فارسي اسند اليه مهمة التخطيط في ادارة التنسيق الحضري (Landscaping) ومن ثم عهّد اليه ادارة برنامج التجميل الطموح.
وفيما كانت المدينة تتسع شمالاً بمعدلات فائقة السرعة، خشي المهندس فارسي من استوحاش الناس للأحياء الجديدة التي تتشابه شوارعها وميادينها ومداخلها ومخارجها.. خشي ان تختلط اتجاهتها على أناس لم يألفوها بعد.. فانقدحت فكرة ترميز الميادين والدوارات بأعمال فنيّة وجمالية أيقونية – تيسّر على مستخدمي الشوارع الجديدة وصف عناوينهم وتحديد مواقعهم الجغرافية، كما تضفي طابعا جمالياً على فضاء المدينة.
انصرفت جهود لافونتي في أعمال اللاندسكايبنغ والتنسيق الحضري؛ فصمم للمدينة حدائقها ونوافيرها وعناقيدها وسلاسلها الشجرية في الطرقات ونسّق لها كورنيشها الجديد. وفي عام 1975 اراد لافونتي وضع بصمته الخاصة على مدينة جدة فكانت باكورة اعماله الفنية، نافورة في حي الحمراء – قبل ان تتوالى الاعمال في الإثني عشر سنة التالية لتفوق الثلاثين عملاً، هي الأبرز والأغزر لأي فنان في جدة.
اتسمت اعمال لافونتي بطابع هارموني يزاوج بين عناصر البيئة المحليّة والذاكرة الشعبية.. استعمل فيها المواد الخاصة ببيئة المكان – فاستخدم السكراب والحديد من آلات او مخلفات قديمة وجلب الرخام والجرانيت والبرونز من المصانع المحليّة. يقول لافونتي في شهادته “لقد اردت ان ارسخ اعتزاز الجدادوة حينما استخدمت مواد أولية يستخدمونها في حياتهم اليومية، أو حينما خلّدت مفاهيم هي من صميم الذاكرة الجمعية للأهالي”.
صمّم لافونتي النوافير بأشكال محليّة الطابع (نوافير دلال القهوة، وجرار الماء، وقطعة المرشّ المستخدمة في الضيافة بالموروث المحلي).. وخلق ميدانا زاوج فيه بين القوارب المحلية والأشرعة ونحت على احداها أبيات قصيدة جدة الخالدة للشاعر حمزة شحاتة: “النهى بين شاطئيك غريق.. والهوى فيك حالمٌ ما يفيق”. ووظّف من قطع الكنداسة العثمانية التي كانت تمد جدة بالمياه المحلاة منذ عام 1905 ثلاث أنصاب تذكارية ترمّز لمعاناة الجدادوة التاريخية مع المياه (تقاطع التحلية والأندلس وطريق الملك). وحين خرجت طائرات الداكوتا عن الخدمة بالخطوط السعودية وظفّها كتذكار في احد الميادين العامة (شارع الأمير ماجد).
وحينما كان لافونتي مستغرقاً في المعيشة بجدة.. يقاسم أهلها همومهم وتطلعاتهم وينفعل بمعاناتهم المعيشية.. وازاء استياءه من طريقة السياقة المتهورة لبعض مستخدمي الطرق بجدة.. صمم دواراً شهيراً بالكورنيش تتداخل فيه السيارات بشكل ساخر كنوع من الإحتجاج.
وقدّم لافونتي اعمالاً مستوحاة من التراث الاسلامي.. فأحيى مفاهيم او فنون تتبع الحقبات العباسية والمملوكية. قدّم دوار الآية، الذي جاء على شكل قارب، وصمم له خصيصاً برنامج أوتوكاد لطبع التصميم على السبائك البرونزية. وصمم نصب القناديل المملوكية الشهير على ساحات قصر السلام بطريق الأندلس.
وفي احد المرات تلقف من صديقه فارسي المعلومة الرائجة حينها بأن مكة هي قلب العالم، فانقدحت فكرة دوار الكرة الأرضية الزجاجي، لتوكيد مركزية مكة الجغرافية.
ولم تقتصر اعمال لافونتي على جدة، بل قدم لبلدتيّ الطائف وتبوك نسختين متطابقتين من نافورة دلال القهوة سلّمت كإهداء من بلدية جدة في عهد فارسي.
كان لافونتي هو صاحب فكرة المتحف المفتوح في كورنيش الحمراء – حتى محمد سعيد فارسي نسب اليه أبوّة الفكرة. وهو مُصمم عمارة النادي الأدبي بجدة (حي الشاطئ) – والتي تشغلها الآن جمعية الثفاقة والفنون.
قدم لافونتي لمدينة جدة ما يفوق الثلاثين عملاً.. شكّلت هوية المدينة البصرية، واسهمت في تكوين الذائقة الفنيّة لأجيال كاملة. ومع خروج ميدان الدراجة عن الفضاء البصري، وقبله ميدان طارق بن زياد، وسرقة نصب صندوق المجوهرات بالبغدادية.. تفقد جدة جانباً حميماً آخراً من ذاكرتها الحديثة ما كان ينبغي ان يرحل بهذه الطريقة.
– قائمة بأعمال خوليو لافونتي في مدينة جدة:
1- نصب الصدفة العملاقة (القبلة) – الحمراء.
2,3- نافورة دلال الماء (ثلاثة متفرقة ومختلفة) – الحمراء والبلد.
4- تشكيل القوارب والصواري – ملحقة بنحت لقصيدة حمزة شحاتة الشهيرة في جدة: “النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق” – الحمراء.
5- ميدان السفن الحربية (طارق بن زياد) – شارع الأندلس.
6- ميدان التوحيد – الكورنيش.
7,8,9- آيات قرآنية على البرونز والرخام (ثلاثة اعمال) وهي: “وإنك لعلى خلق عظيم” .. “الله نور السموات والأرض” و”بسم الله الرحمن الرحيم” – جميعها بالمتحف المفتوح.
10- دوار الحادث (سيارات متداخلة في مكعب ابيض) – الكورنيش.
11- القناديل المملوكية – في الرحبة المقابلة لقصر السلام.
12- اطوار الهلال والقمر (جرانيت) – كورنيش الحمراء.
13- ميدان الدراجة.
14- دوار الآية (الآية القرآنية على شكل قارب) – شارع الأمير سلطان.
15,16,17- أنصاب الطائرات الحربية (ثلاثة ميداين) – المكرونة- المطار القديم- شارع الامير سلطان.
18- ميدان السحاب (طائرة الداكوتا التابعة للخطوط السعودية) – شارع الأمير ماجد.
19- نافورة دلال القهوة (برونز وجرانيت) – الأندلس.
20- صندوق المجوهرات – البغدادية.
21- نافورة المرّش – البلد .
22- ميدان البيعة.
23,24,25- الكنداسة (ثلاثة أنصاب).
26- نصب العلم والدين – الكورنيش . وهو أقمار من الرخام الأبيض متكومة بشكل رأسي يعلوها هلال.
27- أقمار قرآنية دائرية متفرقة من الرخام مستلهمة من العهد العباسي- العمّارية.
28- مصحف القرآن من الجرانيت – الحمراء.
29- دوار الكرة الأرضية.
30- دوار الكرة الأرضية المصغّر – حي الحمراء شارع عرفات.
31- نصب المفكّ والمسمار -الكورنتينة (المحجر).
—
* كل الصور من كتاب : ( Jeddah city of art ; Hani Farsi ).
وأسفاه
وأين كل هذه الأعمال الفنيه. لقد ابتلي الله مدينتا الحبيبه جده ( بامناء) الكثير منهم لا يفهمون وبالتالي لا يقدرون الفن والتحف الفنيه الجميلة التي زينت ميادين وشوارع جده. كان همهم كل شئ الا جده وشوهوا وجه العروس الجميل، والسبب الرئيسي لذلك هو جهلهم ثم أحقاد انفسهم بسبب ذلك الجهل ودنائه النفس وحب الذات . قاتلهم الله لقد حاولوا تدمير الجمال في جده ولكن أني لهم ذلك فجده باقيه في قلوبنا وستعود جميله كما كانت ، انا هم فمزبله التاريخ ستدون ما فعلوا وكيف أجرموا في حق جده وأهلها .
من الأمثلة العديدة التي تدل على جهل الإداريين الحاليين بمدينة جدة ومعالم الجمال الفريدة فيها أنهم قاموا بكسو معظم الأعمال الفنية في الميادين باللوحات الإعلانية. فإن كان عذرهم في إزالة ميدان الدراجة حاجة عملية بحتة، فبأي حق تقوم الأمانة بالموافقة على تثبيت اللوحات في الزوايا الأربع للميادين حيث لا يرى الناظر سوى الجزء البسيط من العمل الفني؟ وفي مخالفة صريحة لأنظمة ذات الأمانة؟ لا أظن أن الأرض قد خلت من المواقع المتاحة للاستثمار التجاري بلوحات الإعلانات. ولم أرى عشوائية في إدارة سوقها في مدن المملكة ولا في العالم كما رأيت في جدة. فالذي حدث لا تفسير له إلا أنه تشويه متعمد وطمس لجمال هذه المدينة بحجة المكسب. وتجربتي في مخاطبة المسئولين في هذا الشأن، كما تعودنا، لا تأتي بفائدة.