تأسست صحيفة الأضواء في جدة في 4 يونيو 1957.. كأول صحيفة تصدر من جدة في العهد السعودي (وثاني صحيفة بعد صحيفة بريد الحجاز). وكانت تصدر بشكل اسبوعي، كل ثلثاء . اتخذت مقراً لها في شقة بعمارة البنك الأهلي بشارع الملك عبدالعزيز الشريان التجاري الأول في جدة حينها . وكانت تطبع في مطابع الأصفهاني الشهيرة بطريق المطار :
أسسها الثلاثي الشاب؛ محمد سعيد باعشن الذي رأس تحريرها :
وعبدالفتاح أبومدين ومحمد أمين يحيى (وان كان الأخير قد تخلى عن حصته في ملكيّة الصحيفة بعد انطلاقها وبقي كاتباً فيها) :
وكان يكتب فيها ويعمل في تحريرها مجموعة من الشباب الوطني الصاعد.. مثل عبدالعزيز الفرشوطي، وحمدان صدقة حمدان وعبدالعزيز عطية أبوخيال ومحمد سعيد العوضي وسعد البواردي وعبدالله الحصيّن وعبدالعزيز النقيدان وأحمد صلاح جمجوم.. حتى سميّت بصحيفة الشباب السعودي. كما كان يكتب فيها رمز الأدب الحديث، محمد حسن عوّاد، وهو خال لرئيس التحرير محمد سعيد باعشن:
امتازت الصحيفة بخط صحافي مستقل و حُرّ ، غلفته بلغة خفيفة وحديثة . سلّطت الضوء على انجازات عهد الملك سعود، لكنها كانت شديدة اللهجة ضد تقصير وزارة الصحة والبلديات وقلم المرور وغيرهم من الإدارات الحكومية.. وركزّت على تطوير الإقتصاد الوطني وأنظمة العمل والعمال. انحازت لتعليم البنات ، كما سلطت الضوء على مجتمع جدة التجاري -سلباً وايجاباً- ناهيك عن الاهتمامات الأدبية والاجتماعية :

محمد سعيد باعشن رئيس تحرير الأضواء مع نخبة المجتمع الجدّاوي في احد حفلات السفارة التركية بفندق جدة بالاس.
لكن ابرز ملف تصدّت له الأضواء هو تحديها لسياسات التمييز التي رافقت شركة الزيت العربية الأمريكية (ارامكو) في بداياتها.. وهو السجال الذي ادّى الى اغلاق الصحيفة لاحقاً! .. وهو ما سنستعرض تفاصيله الكاملة هنا ..
* * * * *
بدأت المواجهة عبر خبر مررته الأضواء في صفحتها الأولى في العدد 62 الصادر في 12 اغسطس 1958.. اشارت فيه الى رفض لجنة جدة لجمع تبرعات منكوبي حريق مكة، برئاسة الشيخ محمد الطويل، لتبرع “زهيد” من ارامكو.. اعتبرته اللجنة خدشاً للكرامة الوطنية.. ورأت فيه الصحيفة ان “الشركة التي تستنزف خيراتنا” كان خليق بها تقديم اموال اقل رمزية واكثر سخاء مع النواحي الوطنية الخيرية :
وكي نقف على مزاج المرحلة.. وسياسة الصحيفة في ذلك الوقت.. يمكن جداً ان نطالع افتتاحيتها في العدد الذي يليه (العدد 63 الصادر في 19 اغسطس 1958) حيث افتتاحية الأستاذ محمود عارف، عن ضرورة مساواة الموظفون الأهليّون بالأجانب في الإجازات من قبل أنظمة العمل والعمال :
لكن الشرارة التي قدحتها الأضواء في عددها ماقبل الماضي، ضد ارامكو كانت قد استفزت فعاليات صحافية أخرى وزميلة، التي تجاوبت مع ما اسماه تحرير الصحيفة “صيحة الأضواء” ضد ارامكو :
ومع العدد المشترك 68 و69 الصادر في 16 سبتمبر 1958 نجد ان الصحيفة قد تبنت قضية مساواة الأجور بين الوطنيين والأجانب، على صفحتها الأولى، وقامت بمقارنة سياسة الابتعاث الهزيلة وشبه المنعدمة في ارامكو مقابل “عدد مبعوثي شركة نفط زيت بغداد الى الجامعات الاجنبية فهي تبعث سنويا ما يقارب من الثمانين طالبا سنويا.” كما انها اكدت على تهدور أحوال “المساكن الحقيرة” التي يقطن بها العمال السعوديين بمقرّ الشركة بالظهران :
المفارق ان الصحيفة كانت قد دشّنت حملتها الصحافية ضد ارامكو، فيما كانت الصحيفة لا تزال تنشر اعلاناتها على صفحاتها:
ولمّا كان موضوع تبرعات ارامكو حديث الساعة في جدة.. صدّرت الاضواء مانشيتاً في العدد 70 الصادر في 23 سبتمبر 1958 بعنوان: “ارامكو تتبرع بـ133 دولار لدار الحنان والأيتام بينما تتبرع بـ 15 الف دولار لمستشفى كِنيدي التذكاري”.. في اشارة واضحة الى التفاوت الهائل بلغة الأرقام :
وقد رافقت الصحيفة سبقها الصحافي بسلسة من التحقيقات الاستقصائية من داخل الشركة بعنوان: “كل شئ عن ارامكو”.. استهلته منذ هذا العدد:
وفي العدد 71 واصلت الصحيفة حملتها بتغطيات ومانشيتات على صدر الصفحة الأولى.. فكتبت: “لماذا هذه التفرقة يا أرامكو؟” :
كما استمرت في سلسلتها الاستقصائية :
لكن الحملة الضارية تباطئت اضطرارياً مع احتجاب الصحيفة لثلاث أسابيع، بسبب توقيفها اثر مقال نشره محمد أمين يحيى عن ذكرى المولد النبوي، اضطر مع عودة اصدار الصحيفة ان يعتذر عنه :
* * * * *
وتزامنت عودة الصحيفة للصدور مع تغطيتها للمؤتمر الصحافي الأول الذي دعا اليه رئيس الوزراء الأمير فيصل بعد اقتراح من حسن عبدالحي قزّاز رئيس تحرير صحيفة عرفات استجاب له الفيصل :
وفي المؤتمر تعمد محمد سعيد باعشن ان يسأل الأمير فيصل عن موقف الدولة من ارامكو، الذي جائت اجابته واقعية ومتطلعة ولمّاحة :
وقد استغل باعشن الإجابة في تصدير مانشيت لا يخلو من الدهاء يعلن من خلاله استئناف صحيفته لحملتها ضد ارامكو بعد هدنة فرضتها عليها ظروف الاحتجاب القسرية :
وطبعاً..استغلت صحيفة الأضواء فرصة المؤتمر لتظهر ثقة السياسيين في الصحيفة وكادرها.. بابراز صورة الأمير فهد بن عبدالعزيز مع باعشن في الصفحة الأولى مذيّلة بوصف يلائم اهداف الصحيفة :
كما قطعت الصحيفة، في صفحتها الثانية، طرف الأقاويل التي دارت اثناء أزمة احتجابها، بمساومتها لشركة ارامكو مقابل صمتها.. فكان بيانها التالي :
* * * * *
واستمرت الصحيفة في حملتها المنظمة. في العدد المشترك 75 و76 الصادر في 4 نوفمبر 1958.. كتبت الصحيفة: “امنحي الموظفين السعوديين ثقتك يا ارامكو” :
ثم عادت مع العدد المشترك 77 و78 الصادر في 11 نوفمبر 1958 باثارة قضية المساومة من جديد وبمانشيت في الصفحة الأولى :
كما استمرت في سلسلتها من داخل ارامكو.. التي وظّفت فيها المشاعر القومية العربية الصاعدة والملتهبة حينها بشكل غير اعتذاري :
المفارقة اللاذعة ايضا ان ذات العدد حمل اعلاناً مركزياً لصحيفة ارامكو، تهنئ فيه جلالة الملك سعود في عيد جلوسه الخامس، فيما بدا محاولة من ارامكو الى عدم قطع كافة سبل الود والتفاوض المستقلبيّة مع ادارة الصحيفة :
* * * * *
واستمرت الصحيفة في توجيه نقدها الى ارامكو.. مركزة هذه المرة على اخفاق مدير علاقاتها العامة، الأمريكي، المستر جاك بتلر، في فهم واستيعاب الصحافة والأصوات المحليّة الناقدة، وانقطاعه عن تطورات الشأن المحليّ :
كما استمرت في سلسلتها من داخل ارامكو.. مبرزة هذه المرة سياسة التمييز داخل مرافقها الترفيهية :
لكن هذا العدد سيشهد آخر اعلان تنشره أرامكو عبر الأضواء.. بعد ان قررت أرامكو قطع اعلانتها اعترافاً بفشلها في سياسة الإحتواء التي رمت اليها مع ادارة تحرير الصحيفة :
* * * * *
ومع العدد 80 الصادر في 25 نوفمبر 1958 .. نشرت الأضواء بياناً كانت ارامكو قد اصدرته، فيه تصويب من وجهة نظر الشركة لبعض المعلومات التي اثارتها الصحيفة. الاضواء نشرت البيان كاملاً، فيما ارجأت الرد عليه في العدد التالي :
وفي الرد.. ركزت الصحيفة على تلاعب البيان الصحافي للحقائق واخفائه لتفصيلات الأرقام.. وهو رد يستحق الإشادة للغته الصحافية الدقيقة والمتقدمة مهنياً :
ومع العدد 82 الصادر في 9 ديسمبر 1958 سنلاحظ تصعيداً من القطب الثاني في الأضواء، عبدالفتاح أبومديّن (السائح) الذي جيّر افتتاحية الصحيفة، الى توبيخ شركة أرامكو على نظام مناقصاتها الغامض وانتقاد ضعف وغياب الشفافية فيها :
كما جاء في العدد ذاته تحقيق يظهر تفاوت المعاملة للعامل السعودي في مستشفيات ارامكو الداخليّة :
اما العدد المشترك 83 و 84 الصادر في 16 ديسمبر 1958 .. فقد حمل بُعداً استقصائياً يخص موازنة ارامكو:
تبعه العدد الذي يليه مع استمرار للحملة :
لكن العدد ذاته حمل ايضاً، احتجاج من الأضواء على حرق ارامكو للأعداد المخصصة للتوزيع لمنسوبي شركتها، وذلك بحرقها وعدم اقلاع طائرة جدة-الظهران بالنسخ المخصصة سوى من عدد رمزي لاطلاّع القيادات :
كما حمل ايضاً، ارهاصة تفاعل شعبي مع حملة الصحيفة.. فكتب علي عسيري من ادارة الجوازات والجنسية بجدة تعقيباً يؤكد فيه تأثره الشديد بتمييز ارامكو الذي اظهرته تحقيقات الأضواء المتعاقبة:
* * * * *
وجاء العدد 86 بافتتاحية صاخبة من احد رموز الصحافة السعودية آنذاك، وهو عبدالوهاب آشي، الذي كتب بدوره: “ما هكذا أيها الأمريكي المسؤول.. يُحسن أن تتكلم!” :
وكان تعليق من الأستاذ عبدالله عريف، في صحيفة البلاد، التي كان قد دخل على خط الحملة، ناقش فيه معطيات الشركة في التعامل مع العمال المحليين.. فيما بدا ان كرة الثلج الصغيرة، قد بدأت في التدحرج والإنتفاخ :
كما حمل العدد.. نبرة متفاؤلة من الصحيفة بإبراز نتائج حملتها التي جلبت لها ما عدّته إنتصاراً للصحافة وللصحيفة :
* * * * *
وحملت افتتاحية العدد 87 الصادر في 6 يناير 1959.. تصعيداً صاخباً من رئيس التحرير محمد سعيد باعشن، الذي اعلن رسمياً عن وجود حرب ممنهجة من الشركة لإسكات الصحيفة عما تراه حق من حقوقها في الدفاع عن مقدرات الوطن وحقوق العمال الوطنيين :
واستمرت الأضواء في حملتها رغماً عن كل الضغوط المتزايدة :
وجاء العدد المشترك 89 و90 الصادر في 13 يناير 1959 .. مستمراً في لهجته التصعيدية الحادّة :
واستعرض العدد ايضا نماذج للتفاعل الشعبي الذي كان ينمو ضد الشركة وسياساتها التمييزية .. فكان هناك استكتاب لأصوات من الظهران والرياض وبقيق وعرعر .. فيما يؤكد نجاح الأضواء الى اختراق طبقات المجتمع وحشد تأييدها لقضيتها :
ووعد مُعد الصفحة أعلاه الى استئناف الآراء والمظالم في العدد القادم.. لكن المفاجأة كانت في تعليق وايقاف الصحيفة بشكل نهائي إثر تحقيق صحافي شهير نشره محمد سعيد باعشن عن “العبد” سالم الذي اشترى نفسه.. وتزامن نشره مع هذا العدد:
لقد صدرت اوامر بسحب رخصة الأضواء بذريعة نشر تحقيق “سالم شاري نفسه”.. لكن اصحاب الجريدة اكدوا في غير مرّة ان حملتهم ضد ارامكو هي من تسبب، او لعب دوراً رئيسياً على الأقل في اتخاذ القرار. توقفت الأضواء عند عددها الـ 90 بعد ان استمرت طيلة 20 شهراً. كانت فيها من أجرأ التجارب الصحافية واكثرها جاذبية . انسحب محمد سعيد باعشن، لكن عبدالفتاح أبومدين استأنف تجربته في امتداد صحافي باصداره لمجلة الرائد .